سورة الحجرات - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} قرأ العامة بضم الجيم، وقرأ أبو جعفر بفتح الجيم، وهما لغتان، وهي جمع الحُجَر، والحُجَرُ جمع الحُجْرَةِ فهي جمع الجمع.
قال ابن عباس: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني العنبر وأَمَّرَ عليهم عيينة بن حصن الفزاري، فلما علموا أنه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم، فسباهم عيينة بن حصن وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري، فقدموا وقت الظهيرة، ووافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا في أهله، فلما رأتهم الذراري أجهشوا إلى آبائهم يبكون، وكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة، فعجلوا أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا ينادون: يا محمد اخرج إلينا، حتى أيقظوه من نومه، فخرج إليهم فقالوا: يا محمد فَادِنَا عيالنا، فنزل جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو، وهو على دينكم؟ فقالوا: نعم، فقال سبرة: أنا لا أحكم بينهم إلا وعمي شاهد، وهو الأعور بن بشامة، فرضوا به، فقال الأعور: أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رضيت، ففادى نصفهم وأعتق نصفهم، فأنزل الله تعالى: {إن الذين يُنَادُونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}، وصفهم بالجهل وقلة العقل.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} قال مقاتل: لكان خيرًا لهم لأنك كنت تعتقهم جميعًا وتطلقهم بلا فداء، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقال قتادة: نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب.
ويروى ذلك عن جابر قال: جاءت بنو تميم فنادوا على الباب: اخرج إلينا يا محمد، فإن مَدْحَنا زين، وَذَمَّنا شين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا»، فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس، وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم: «قم فأجبه»، فأجابه، وقام شاعرهم فذكر أبياتًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «أجبه» فأجابه. فقام الأقرع بن حابس، فقال: إن محمدًا لَمُؤْتًى له والله ما أدري هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يضرك ما كان قبل هذا» ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم، وقد كان تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم، وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل فيهم: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} الآيات الأربع إلى قوله: {غفور رحيم}.
وقال زيد بن أرقم: جاء ناس من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيًا فنحن أسعد الناس به، وإن يكن ملكًا نعش في جنابه، فجاؤوا فجعلوا ينادونه، يا محمد يا محمد، فأنزل الله: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم والله غفور رحيم}.


قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية، نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقًا، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيمًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهَمَّ أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق الله عز وجل، فبدا له الرجوع، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدومه، وقال له: انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار، ففعل ذلك خالد، ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء، فأخذ منهم صدقاتهم، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير، فانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} يعني الوليد بن عقبة {بِنَبَإٍ} بخبر، {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا} كي لا تصيبوا بالقتل والقتال، {قَوْمًا} برآء، {بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} من إصابتكم بالخطأ.


{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} فاتقوا الله أن تقولوا باطلا أو تكذبوه، فإن الله يخبره ويعرفه أحوالكم فتفتضحوا، {لَوْ يُطِيعُكُمْ} أي الرسول، {فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ} مما تخبرونه به فيحكم برأيكم، {لَعَنِتُّمْ} لأثمتم وهلكتم، والعنت: الإثم والهلاك. {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ} فجعله أحب الأديان إليكم، {وَزَيَّنَهُ} حسنه، {فِي قُلُوبِكُمْ} حتى اخترتموه، وتطيعون رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ} قال ابن عباس: يريد الكذب، {وَالْعِصْيَانَ} جميع معاصي الله. ثم عاد من الخطاب إلى الخبر، وقال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} المهتدون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5